برحلة من البوح الأنثوي، بدأت عروض المسابقة الرسمية في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي انطلقت فعالياته بمشاركة وحضور عدد كبير من المسرحيين ونجوم الساحة الدرامية العربية.
من القاهرة خرج الصوت صارخاً بهموم امرأة تروي قصة متداخلة ومركبة بين الشخصي والمجتمعي، ليأتيه الصدى من المنامة بما يكفي من آلام الفقد والوحدة وربما الاستسلام لأقدار غير منصفة وجائرة، وتبعية يصعب الفكاك منها لقيم تحد من قيمة الإنسان.
الإحساس العام في كلا العرضين أنهما لم يخرجا عن نطاق الفضاء التقليدي وربما النمطي والمألوف على صعيد الحكاية التي أرهقت بحثاً في عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية، إلا أن هذا لا يعني أن هموم المرأة العربية لاتزال تعيد نفسها وتتجدد في واقع اجتماعي عربي يبدو أنه عالق في دوامة من الأزمات ذاتها التي لا تتغير، وربما جاء التميز ومحاولات التجديد هنا في طريقة قص الحكاية وتقديمها لجمهور المهرجان.
لحظة فارقة
تنطلق مسرحية «ودارت الأيام» وهي من تأليف الكاتبة أمل فوزي، وإخراج فادي فوكيه، وبطولة وفاء الحكيم، وموسيقى أحمد الناصر، وإضاءة أبوبكر الشريف، من لحظة فارقة وقاسية وهي التي تعلم فيها امرأة بوفاة زوجها بعد عشرة عمر طويلة، وأيضاً زواجه عليها منذ سنوات طويلة، لتكون هذه اللحظة منطلقاً للهدم والبناء ولصراع نفسي معقد ولأسئلة وجودية، ولرحلة من المكاشفات التي تروي فيها تلك المرأة المنهكة تفاصيل حياتها ورحلتها القاسية مع زوجها. هي لحظة يضيع فيها الفاصل بين حزنها على موت الشريك، وخيبتها منه ومن عمر ضاع في تفاصيل ومواقف، ليطفو حزنها على نفسها فوق كل شيء، فهي الخاسرة الأولى والأخيرة، وفي رحلة المكاشفات تبدو أن هذه الخسارات بدأت من زمن بعيد وحتى من سنوات شبابها وكل أحلامها الضائعة.
حكاية العمل وإن بدت تقليدية بشكلها العام فإنها في لحظات كثيرة تترك نهج الحكاية في فضائها الاجتماعي، وتمضي لتتشابك مع الذات في محاولة لتقديم رؤية تحليلية تتجاوز السرد لصالح فكرة جوهرية هي كيف للمرأة أن تكون بشكل أو بآخر متواطئة مع ألمها وشريكة فيه بسبب قبولها لكثير من القيم والعادات والقواعد التي تنظم مسيرة حياتها، لنكون أمام طبقات من التحليل المرتبط بواقع المرأة في المجتمعات العربية، وفي علاقة المرأة مع نفسها وسط كل هذه الأزمات، لتبدو خيانة الذات أقسى وأعقد من خيانة الآخرين.
وسط كل هذه التفاصيل كان على الممثلة وفاء الحكيم حمل مسؤولية مجهدة وقيادة عرض حافل بالتفاصيل دون الوقوع في فخ الملل وأن تظل ممسكة بخيوط العلاقة مع الجمهور وهي علاقة شهدتها حالات من التوقد والفتور في بعض الأحيان. استفادت الحكيم من عناصر متنوعة يقدمها العمل في لعبته الفنية، فكانت مثلاً مجموعة من أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم بمثابة راوٍ آخر، أو ناطق بهمومها وملخص لكثير من مشاعر هذه المرأة العالقة في دوامة يصعب تفكيكها.
نجح العمل في مواقع منه في تقديم فرجة بصرية منضبطة، لكن بغير مغامرات أو اجتهادات وخاصة لناحية السينوغرافيا. حاولت عناصر العمل تسهيل مهمة الممثل وتشكيل حامل بصري لمساحة السرد ليصل بهذه الحكاية إلى بر الأمان، وإلى قرار هذه المرأة مواصلة حياتها والانتصار على خيباتها من خلال نجاحات أحفادها مثل حبهم للموسيقى التي حرمت هي منها رغم موهبتها الكبيرة في ذلك، وربما في ذلك موقف آخر لا يخلو من استسلام ما أو ربما دعوة لإيجاد حلول حتى لو كنا مسكونين بفوات الأوان.
فقد وحنين
من مملكة البحرين يأتي عرض «شرخ في جدار الزمن»، عن قصة للدكتورة جميلة الوطني، تأليف وإخراج محمد الحجيري، تمثيل إلهام علوي، ليضعنا أمام ألم نسوي آخر ينحى في أبعاده إلى أزمات الفقد والحنين.
يحكي العرض حكاية زينب، امرأة تستعيد وسط عالمها البارد والوحيد ذكريات حب تمحورت حوله أحلامها وحياتها، وترتحل في مسار تجربة فيها الكثير من ألم الخذلان والفقد والفروقات الطبقية والعقدية التي تحكم على قصة حبها بالموت، ما يضاعف عندها حالة مركبة ومعقدة من الخذلان.
في هذا العرض كان الجمهور أمام ذاكرة وأحلام متشظية على خشبة المسرح، هي حقيقة ما بقي من حياة هذه السيدة: مهد الطفل الحلم، الملابس، وغيرها من الأشياء التي تتحول بين يدي الممثلة إلى منطلقات للغوص بعيداً في محاكمات لمنطق حياة رهينة لقناعات وقيود تبدو في كثير من الأحيان بسيطة وصغيرة، لكنها في جوهرها شديدة التعقيد والأثر المرير.
اجتهدت الممثلة إلهام علوي في أدائها لإيصال كل ما يحمله العمل من تفاصيل وانتقال بين تفاصيل زمن وملامح حكايتها، وحاولت الاستفادة بشكل واضح من عناصر اللعبة التي سخرها مخرج العرض من خلال سينوغرافيا مالت إلى البساطة والدلالة وهو أمر يحسب للعرض.
اعتماد المخرج محمد الحجيري على أدوات بسيطة في تشكيل فضائه البصري وضع على كاهل الممثلة حملاً مضاعفاً، وربما هي واحدة من أساسيات المونودراما التي تقوم في عمقها على قدرات الأداء في تمرير واختصار عشرات الشخصيات.
المسرحية الحائزة على جائزة أفضل عرض متكامل في مهرجان قرطاج للمونودراما حاولت كسر سطوة الحكاية لصالح الفرجة التي تأرجحت بين القوة والحضور وتراجعات بين الحين والآخر، لكنها في العموم مالت إلى حالة من التجديد والتجريد واختيار الصعب على ما يمكن اعتباره خيارات سهلة وإنشائية على خشبة المسرح.
ذهبت مسرحية «شرخ في جدار الزمن» إلى حكاية شائكة تعكس تعقيدات تحاول الكثير من الأعمال الإبداعية تجنبها، فهي بهذا المنطق تجاوزت الهم النسوي الذي تختبئ خلفه، لتذهب بعيداً في محاكمة قيم وقواعد وتحديات مصيرية لاتزال تهدد مجتمعات عربية بطرق وأشكال مختلفة.
. هموم المرأة العربية لاتزال تعيد نفسها لكن التميز هنا في طريقة الحكاية وتقديمها لجمهور المهرجان.
. «شرخ في جدار الزمن» حاولت كسر سطوة الحكاية لصالح الفرجة ومالت إلى التجديد والتجريد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.