تعرفون المقولة: "من شاهد مسلسل دراما طبية واحد، فكأنه شاهدها جميعاً"، أليس كذلك؟ممثلون جذابون بالزي الطبي والمعاطف البيضاء، توترات (رومانسية وغيرها) تختمر بين أفراد الطاقم، وأمراض غامضة يتم تشخيصها أو علاجها قبل شارة النهاية. ومع أن الكثير من هذه السمات تنطبق على مسلسل The Pitt من شبكة Max، إلا أنه لا ينبغي أن تُغفلنا عن حقيقة مهمة: The Pitt هو بسهولة أفضل مسلسل جديد في عام 2025، سواء كان طبياً أو غير ذلك. بفضل الوتيرة المتقنة والحبكات المشوقة، من الصعب جداً الاكتفاء بمشاهدة حلقة واحدة في الجلسة الواحدة، خصوصاً مع توفر الموسم الأول كاملاً المؤلف من 15 حلقة على خدمة البث.
ورغم أن العمل قد يبدو مألوفاً للوهلة الأولى، فالنجم نواه وايلي، الذي يؤدي دور الطبيب مايكل "روبي" روبينافيتش، سبق له أن لعب دور طبيب طوارئ لسنوات طويلة في مسلسل ER، إلا أن The Pitt ينجح مع تقدمه في أن يتحول إلى عمل فريد من نوعه وواثق تماماً من خطواته على مدار الموسم الأول. وعندما يصل المسلسل إلى ذروته يبدو وكأنه يعيد اكتشاف أسرار الطريقة التي كانت تُصنع بها المسلسلات التلفزيونية قديماً: حلقات كثيرة، إخراج بسيط يركز على الجوهر دون بهرجة زائدة، وقصص طبية أسبوعية تتشابك بسلاسة مع تطورات الشخصيات وعلاقاتهم مع بعضهم البعض. ورغم أن كل جزء فيه متقن بحد ذاته، فإن The Pitt يتجاوز كونه مجرد مجموع هذه الأجزاء، بفضل الحضور الهائل للموهبة والخبرة سواء خلف الكاميرا أو أمامها.
يُخيّم ظل مسلسل ER بقوة فوق The Pitt، وليس فقط بسبب بطله الرئيسي (الذي يجب القول إنه يقدم أداءً مميزاً طوال الموسم الأول) ولا بسبب مكان الأحداث فحسب: يضم الفريق الإبداعي للمسلسل كلاً من جون ويلز وآر سكوت جيميل، وهما من الكتّاب السابقين في مسلسل NBC الشهير طويل الأمد. ومع ذلك لا يمكن اعتبار المسلسل مجرد عناصر ناجحة مكررة من مسلسلات شهيرة سابقاً يقومان بإعادة استخدامها، فعملهما هنا يثبت نفسه من خلال عدة فروقات جوهرية. أولاً، بمجرد دخولنا إلى قسم الطوارئ في مستشفى بيتسبرغ الطبي للصدمات الخيالي (أو كما يلقبونه "ذا بيت" اختصاراً، رغم أن الإدارة تتمنى أن يتوقف الناس عن استخدام هذا الاسم) برفقة روبي في الحلقة الافتتاحية، نادراً ما نغادره. لكن الأهم من ذلك هو بنية المسلسل: إذ تصور كل حلقة ساعة واحدة من نوبة عمل تمتد لـ15 ساعة داخل أكثر أقسام المستشفى التعليمي إرهاقاً وضغطاً.
تثبت هذه الفكرة القائمة على الموقع الواحد أنها سلاح سري فعّال، فهي لا توفر فقط التوتر المتوقع من بيئة عمل تتحدد فيها المصائر بين الحياة والموت، بل تمنح الكتّاب فرصة للعودة إلى خيوط قصة قد يتم إنهاؤها عادةً خلال حلقة واحدة فقط. وبما أننا نتابع يوماً واحداً فقط من حياة هذا المستشفى مقسماً عبر موسم كامل على غرار مسلسل "24"، يمكننا الترقب للعودة إلى الشخصيات مع استمرار دقات الساعة. هذا يسمح لنا مثلاً بأن نشاهد إحباط أحد المرضى بسبب طول فترة الانتظار وهو يتصاعد على مدى عدة حلقات، أو أن نرى سيارة إسعاف تُسرق بينما ينخرط موظفو الأمن والأخصائيون الاجتماعيون في المستشفى برهانات حول النتيجة. هذه الروابط التي تتكون بيننا وبين المرضى، إلى جانب الأداء الرائع الذي يقدمه طاقم الممثلين، تثمر عن لحظات عاطفية مدهشة تتراوح بين الفرح والحزن. ومع ذلك، ومهما بلغت المآسي قسوتها، ينجح The Pitt دوماً في الحفاظ على توازنه على الجانب الصحيح من العاطفة الجياشة، مقدماً مشاعر كبيرة دون أن تطغى على المشهد أو تفسد بجملة غير موفقة في غير محلها.
ورغم أن روبي يبدو وكأنه الشخصية الرئيسية في The Pitt (فهو الذي تتصدر صورته الملصقات، وهو الذي يحظى بأكبر قدر من وقت الشاشة بصفته الطبيب المشرف الأول) إلا أنه أيضاً مجرد فرد ضمن الفرقة الجماعية الكبرى لقسم الطوارئ. هناك عدد كبير من الشخصيات التي يجب متابعتها، وهنا يظهر واحد من أذكى استخدامات المسلسل لأساليب التلفزيون المجربة والناجحة: نحن نتعرف على روبي وزملائه بالتزامن مع دفعة جديدة من الأطباء المتدربين والمقيمين في أول يوم لهم في قسم الطوارئ. هؤلاء الوجوه الجديدة يتم دمجهم مع الأطباء الأكثر خبرة عبر الحلقة الافتتاحية وباقي الحلقات الأربع عشرة التي تليها. كتابة الشخصيات هنا تأتي بثقة مذهلة إلى درجة أن طريقة تقديم كل شخصية وما الذي يحفزها تكون واضحة لدرجة أنه عندما يتم إدخال طاقم آخر بالكامل قرب نهاية الموسم، نشعر وكأننا نعرفهم منذ سنوات.
وربما تكون أكبر إنجازات المسلسل أنه لا يوجد شخصية سيئة بين هذا الفريق. سواء كانت الدكتورة المحبوبة ميل كينغ (تايلور ديردن)، أو الشابة الواسعة العينين فيكتوريا جافادي (شابانا عزيز)، أو الطبيب المعذب إلى الأبد دينيس ويتاكر (غيران هاويل)، أو الدكتورة المثيرة للجدل دوماً ترينيتي سانتوس (إيسا بريونيس)، جميعهم يتركون انطباعاً فورياً ويصبحون أكثر إثارة للاهتمام كلما قضينا وقتاً أطول معهم ومع المشرفين عليهم. (وبما أن كل أفراد هذا الطاقم الاستثنائي يستحقون التقدير، لا يمكن أن نغفل أيضاً الإشادة بالأداء الرائع لباتريك بول في دور الدكتور فرانك لانغدون، الذي يحمل شيئاً من شخصية غريغوري هاوس من مسلسل House، وسوبريا غانيش في دور الدكتورة سميرة موهان، وكاثرين لاناسا في دور الممرضة المسؤولة المتألقة دانا إيفانز).
لا يوجد شخصية سيئة بين هذا الفريق.
يتم توجيه حركة الممثلين بعناية بالغة داخل المساحات الضيقة لموقع التصوير الرئيسي في The Pitt. قد تلاحظ أحد الأبطال وهو يعمل بهدوء في لقطة ما، بظهره إلى الكاميرا أو وهو يؤدي مهمة بسيطة أثناء عبوره مشهد حوار جارٍ، حركات قد لا تكون محورية بحد ذاتها لكنها ملائمة لما قد يكون عليه حال الشخصية في تلك اللحظة من مناوبتها. هذا جزء من إخراج المسلسل النظيف والمتواضع، تماماً مثل عادة الكاميرا في تتبع الشخصيات بسلاسة أثناء انتقالهم من مشهد إلى آخر، أو التحول التدريجي في التركيز بين ممثل في المقدمة وآخر في الخلفية عند الانتقال بين خطوط القصة المختلفة.
ويا لها من خطوط قصة. قد يبدو أحياناً أن كمية الأحداث الضخمة التي تمر بها الشخصيات خلال يوم واحد فقط تكاد تكون أكثر من الواقع. لكن بدلاً من الميل إلى دراما مبالغ فيها، يختار The Pitt أن يغوص بعمق في الواقعية، سواء في التفاصيل الطبية أو في قسوة حياة العمل داخل المستشفى. وبفضل قلة القيود الرقابية التي تمنحها منصات البث، يعني ذلك أن المشاهد لا تخلو من لقطات دموية قاسية، مصطلح مثل "إزالة الجلد" يُقال خلال الدقائق الأولى من الحلقة الأولى، ونعم، نرى فعلياً المشهد بتفاصيله المؤلمة. كما أن الشخصيات لا تتحفظ في الألفاظ، وستتفاجأ بمدى تأثير هذا العنصر الصغير في زيادة إحساسك بصدق العالم الذي يعرضه المسلسل.
هناك أناقة في الطريقة التي تتجول بها الكاميرا داخل غرفة الطوارئ، يعززها التحرير الدقيق الذي يحافظ على الزخم بينما ينتقل The Pitt من مشهد جراحة عالي التوتر إلى هدوء نسبي عند محطة الممرضين. هناك تقنية واضحة في التنفيذ، حتى مع تخلي المسلسل عن موضة المشاهد ذات اللقطة الواحدة الطويلة التي انتشرت مؤخراً في التلفزيون. يتمتع الطابع البصري للمسلسل بأسلوب خاص، بدءاً من طريقة إضاءة موقع التصوير: أضواء ساطعة وألوان باهتة دون أن تبدو الأجواء معقمة أو ميتة.
لدى هذا العمل الدرامي الكثير مما يريد قوله، خصوصاً عن حالة النظام الصحي الأمريكي الآخذة في التدهور. يظهر تأثير كوفيد أحياناً، لكن الموسم الأول يغوص أعمق في استعراض أنواع العلاج الكثيرة التي يُطلب من طاقم المشفى المرهقين والمنهكين تقديمها، بغض النظر عما إذا كانت لديهم الإمكانيات لذلك أم لا. ولا يحاول المسلسل أن يصور شخصياته كبطلات وأبطال خارقين، بل يجد متعة خاصة في استكشاف المساحات الرمادية، كتحيّزاتهم تجاه بعض المرضى، وأحياناً تجاه بعضهم البعض.
في أسوأ حالاته، قد تبدو بعض هذه اللحظات من "حلقة محددة" تهدف إلى إعطاء درس أخلاقي، مثل المشهد الذي تواجه فيه الدكتورة هيذر كولينز (تريسي إيفيتشور) زميلتها الدكتورة كاسي مكاي (فيونا دوريف) بلطف بشأن احتمال تشخيصها الخاطئ لمريضة بسبب وزنها. لكن مثل هذه اللحظات تظل نادرة، وتبدو جزءاً من نسيج العمل أكثر مما تبدو عيباً فيه. وحتى عندما تظهر، غالباً ما تأتي محملة بشغف صادق أكثر مما تأتي بشكل واعظ أو متعالي. علاوة على ذلك، لا يكاد يكون هناك وقت كافٍ للتمهل عند أي حوار مهما كان ثقيلاً أو درامياً قبل أن تصل كارثة جديدة تُعيد دفع عجلة الأحداث للأمام.
تكمن متعة The Pitt أكثر من أي شيء آخر في مشاهدة عمل أناس يعرفون تماماً ما يفعلونه، أمام الكاميرا وخلفها. تشعر وكأنك تريد التصفيق عندما ينجح أحد الأطباء في إجراء عملية معقدة أو عندما يحقق اختراقاً في لغز طبي غامض. وهذا هو ما يحدث عندما يكون لديك صناع مسلسلات متمرسون يعرفون الوسط عن ظهر قلب، ولا يخشون توظيف خبراتهم لخدمة أفكار جديدة ومثيرة.
- ترجمة ديما مهنا
إن The Pitt هو نتاج كتّاب وممثلين ومخرجين يعملون بأقصى طاقتهم. يجمع بين الإثارة، الألم، والترفيه بجرعة متوازنة، وهو قادر على إضحاكك بسبب إصابة طبية مروعة أو تحطيم قلبك بمشهد إنساني مباغت بنفس القدر. يقود نواه وايلي طاقم ممثلين متكامل يقدم أفضل ما لديه، ليساهم كل فرد في تقديم طاقم شخصيات لا يُنسى. وحتى لحظاته التي تميل إلى أن تقدم درساً أخلاقياً تصبح جزءاً من سحره الخاص، وبحلول النهاية، يكون The Pitt قد تخلص تماماً من أي مقارنات مع ER أو أي دراما طبية أخرى.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.