في بحر المسلسلات التي تصدر يومياً عبر خدمات البث، فإن Death By Lightning من المسلسلات التي يجب ألا تفوتكم. حيث يجمع كل العناصر التي تجعله يبرز بين البقية: قصة مثيرة وحقيقية نسيها التاريخ، أحداث غريبة وغير متوقعة رغم أننا نعرف الحبكة العامة، أجواء تاريخية مع أزياء وديكورات رائعة تعيدنا إلى العام 1880، حوارات قوية وإخراج رائع ووتيرة لا تشعرك بالملل. وفوق كل ذلك، حتى لو لم تهتموا بكل ما سبق، فإن أداء ماثيو ماكفاديين (الشهير من Succession) الذي يستحق الجوائز كفيل وحده بجعل المسلسل يستحق المشاهدة.

طبعاً لا يتردد المسلسل بالكشف عن النهاية قبل أن يبدأ حتى. حيث يبدأ بالكلمات التالية: "هذه قصة حقيقية عن رجلين نسيهما العالم. أحدهما هو الرئيس الـ 20 للولايات المتحدة، والآخر هو الرجل الذي اغتاله". قد تتوقع أن الكشف المسبق عن النهاية سيقلل من حماسنا لمعرفة ما سيحصل نظراً لأننا نعرف الخاتمة، لكن يستمر المسلسل بمفاجأتنا بالكثير من التفاصيل غير المتوقعة التي تشد المشاهدين على طول الحلقات الأربعة.

يؤدي ماكفاديين دور تشارلز غيتو، رجل غارق بأوهامه الخاصة ومحترف بالخداع والسرقة، يتهرب دائماً من الدفع ويعيش عالة على الآخرين ويحمل أحلاماً لا أساس لها من الصحة. لا يكاد يخرج من مأزق حتى نراه يدخل في مأزق آخر. يجسّد ماكفاديين شخصية غيتو بأداء استثنائي، حيث يجعلنا نصدق أن غيتو يؤمن فعلاً بكل الأكاذيب التي يختلقها ويبني عليها مستقبله، متنقلاً بسلاسة عبر طيف من التعابير، بداية من فرحته الجامحة عندما يظن للحظة أن مساعيه في طريقها للتحقق، ووصولاً إلى عدم تصديقه عندما يتعرض للرفض. ولا يكتفي المسلسل بسرد اغتيال الرئيس غارفيلد، بل يقدم دراسة نفسية دقيقة لشخصية غيتو، ويجعلنا نفهم كيف ولماذا وصل إلى هذه النقطة. كل ذلك يتجلى في أداء ماكفاديين المتقن والمتنوع، الذي يعكس اضطراب الشخصية من خلال نظراته المتوترة وصوته المتردد بين الثقة والجنون.

يقول غيتو: "سيُعرف اسمي يوماً ما في جميع أنحاء هذه البلاد!". لكنه كان مخطئاً. حيث أنه حاول دخول التاريخ من خلال اغتيال الرئيس الأمريكي الـ 20 جيمس غارفيلد، والذي يأديه ببراعة أيضاً مايكل شانون. لكن بما أن غارفيلد لم يكن قد تقلد المنصب سوى لشهور قليلة جداً، فقد طوى النسيان اسميهما بالسرعة نفسها.

وذلك حتى الآن. فرغم أن المسلسل يسلط الضوء على شخصيتي غارفيلد وغيتو كليهما، إلا أن البطل الحقيقي هو فعلياً غيتو، ومع الأداء الرائع لماكفاديين، فإن غيتو ربما حقق أمنيته، حيث أن الجميع سيتحدث الآن عنه بفضل الأداء الذي يستحق الجوائز.

من جهة أخرى، يبرع العمل في الموازنة بين الجنون الفردي والطموح السياسي الجمعي، إذ يقدّم صورة بانورامية لأمريكا ما بعد الحرب الأهلية، حيث الفساد متفشٍ في كل زاوية، والسياسيون يتصارعون على النفوذ والمناصب. ويبدو غيتو وكأنه مرآة مجنونة لذلك العصر، يجسد في شخصه كل تناقضات المجتمع الذي أنجبه.

أحد نقاط القوة للمسلسل هي اختياره لطاقم الممثلين المليء بالنجوم، فإلى جانب الاختيار الرائع لكل من ماكفادين وشانون، يؤدي نك أوفرمان الحائز على الجوائز دور تشيستر أرثر، وهو رجل عنيف من السياسيين الفاسدين كان خصماً لغارفيلد قبل أن يجد نفسه أصبح نائبه للضرورات السياسية. ويقدم أوفرمان أداءً رائعاً يجمع بين القسوة والفظاظة تارة، والضعف والرقة تارة أخرى. وينضم إليهم أيضاً بيتي غيلبين بدور زوجة غارفيلد، وبرادلي ويتفورد بدور صديقه جيمس بلاين.

يتم تقديم جيمس غارفيلد كرجل متواضع يأتي من خلفية فقيرة، متعاطف مع الشعب ويسعى لفعل الصواب والقضاء على الفساد في مناخ سياسي متوتر يهيمن عليه حيتان الحزب. ومثاليته هذه هي التي ألهمت لانتخابه رئيساً رغم أنه لم يرشح نفسه للمنصب حتى. ويبرع مايكل شانون بتجسيد الشخصية بكل أطيافها، سواء كان السياسي المحنك والهادئ، أو الأب والزوج المحب الذي لا يتردد بالشقلبة ليلاعب أطفاله.

من الناحية البصرية، يبرع المسلسل في بناء عالمه التاريخي، حيث تعيد الإضاءة الدافئة والظلال الثقيلة خلق أجواء العاصمة الأمريكية في نهاية القرن التاسع عشر. يستخدم التصوير لقطات مقربة خانقة تعكس عوالم الشخصيات الداخلية.

وفي حين لا يخلو المسلسل من بعض العثرات، مثل الانتقالات السريعة بين القصص الفرعية التي تُضعف أحياناً من الزخم الدرامي، إلا أن العمل ينجح في أن يكون مزيجاً من الدراما السياسية، والسخرية السوداء، والتأمل النفسي العميق، مقدماً تجربة قصيرة ومكثفة تُشبه قراءة رواية تاريخية مبهرة أُعيد اكتشافها بعد أكثر من قرن.