عقارات / متر مربع

اللي عايز يفهم ترامب كويس : يقرأ المقال دي وأمره لله

الترامبية وما خلف العواصف الترابية

مصباح قطب    
                             
كثرت في الأيام الأخيرة كتابات أمريكية وغير أمريكية، تجتهد في البحث عما وراء ما يثيره ترامب من زوابع، بعيدا عن المنظور المستقر الذي يتم فيه تأطير ترامب في أوصاف: ديماجوجي .شعبوي. صفقاتي. معجبانى. قليل الصبر. غير مكترث بالقواعد والقوانين. متسلط أو فاشى. لا يقرأ التاريخ ولا يكترث به. يكذب بسهولة. خاضع لنتنياهو. إلخ. يجتهد الكتاب ليس لأن تلك الأوصاف، أو معظمها، غير حقيقية، ولكن لأنه لا يزال هناك ما هو غامض بشأن أهداف ترامب- وفريقه- والآليات التي يستخدمها، و«مشروع» ترامب الحقيقي المتخفي خلف الشبورة المتعمدة أو شبه المتعمدة والعواصف الترابية التي يبعثها كل ساعة.

من جهتي أشير إلى أن كثيرين رأوا، ولا يزالون، أن الرئيس السادات كان مناورًا كبيرًا وداهية في سعيه لاسترداد سيناء ومنع أمريكا وإسرائيل من التعلل بأي حجة لعدم تسليمها كاملة لمصر، بل ذهب البعض منهم إلى أن قال إن السادات كان على استعداد لأن يبدو «عاريا» من أجل تحقيق هذا الهدف، ولذا ذهب في الاستجابة لمعظم المطالب الإسرائيلية إلى أبعد حد، بل ربما تطوع هو وقدم من عنده ما لم يكن مطلوبًا من الأساس كما كشف كيسنجر وغيره،

ورغم أنى من معارضى سياسات السادات، فإنه وبنفس المنطق السابق، وفيه ما فيه من الاجتهاد، يمكن القول في ظنى إن ترامب قد يكون على استعداد لأن يكون «عاريا» في مواجهة اللوبي الصهيوني في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها وتقديم كل ما يلزمه وما لا يلزمه لكسر سمه حتى يتمكن من استرداد أمريكا من المخالب التي كبلتها وجعلتها- من وجهة نظره- عرضة لأن تكون القوة الثانية في العالم.

من أهم الشواهد التي يمكن أن تؤيد ما سبق أن النظام الترامبوى الذي قدم لنتنياهو وللصهيونية وعودًا ومكاسب هائلة هو ذاته الذي أصر على إعلان ملفات التحقيقات في مصرع كيندي الذى لعبت الحركة الصهيونية دورًا جوهريًّا في قتله لأنه كان ضد البرنامج النووي الإسرائيلي.

أيضًا فإن التدمير الذي يقوم به ترامب للمطبخ الخفي في البيت الأبيض والبنتاجون وأجهزة المخابرات (بفلسفة أن العلانية الفظة أجدى من شغل الدولة العميقة)، لا يمكن عقلا أن يكون محل رضا الدوائر الصهيونية، حتى مع استعانة ترامب بيهود متشددين في فريقه لأن هذه المطابخ كانت قد تصهينت بالكامل بنهاية عهد ، بل صنعت شبكة كاملة من المتصهينين عبر العالم كله تقريبًا.

والنقطة الثالثة هي التقارب الروسي الذي لا يمكن أن يكون محل رضا أيضًا من اليمين الإسرائيلي والصهيوني في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، خاصة أن هذا التقارب يأتي على حساب حليف قوي لإسرائيل والصهيونية هو زيلينسكي، وعلى حساب كل ما قامت عليه السياسة البريطانية، صانعة بلفور والكيان الصهيوني، حيث هي الأقوى في العداء لروسيا من أي بلد آخر في أوروبا.

دليل رابع هو أن بايدن كان قد أعلن صراحة في عشرات المناسبات أنه صهيوني، وأنه لو لم تكن الصهيونية موجودة لاخترعناها.. أعلن ذلك رغم أنه لم يقل لنا أبدًا ما القيم التي تتبناها الصهيونية وهل لها علاقة مثلًا بالحرية والتقدم والعدالة والوئام الاجتماعي والسلام العالمي والمساواة وسلامة مثلًا مثلًا، لكن ترامب لم يتفوه بمثل تلك العبارات رغم كل ما قدمه ويقدمه لإسرائيل ولليمين المتمترس في السلطة هناك.

خامسًا: يكاد يُجمع الكثير من المحللين على أن ترامب مخلص حقًّا لموضوع «أمريكا أولًا» حتى لو جاء ذلك على حساب أقرب الحلفاء وحتى لو تم ذلك بطرق يختلف عليها بشدة، وقد تنقلب وبالًا على أمريكا، مثل التلويح باحتلال دول وممرات وشراء أرض غزة وجرينلاند وكذا، وفرض عقوبات ورسوم جمركية على دول حليفة أو غير ذلك، والتهديد باستخدام القوة هنا وهناك، فمبدأ أمريكا أولًا غير مطمئن، في أقل تقدير، للحركة الصهيونية لأن المبدأ الذي ساد السياسة الأمريكية كان: مصلحة إسرائيل فوق الجميع.

لكن ما نوع العالم الذي يريده ترامب؟. تبدو غايته أولًا في ظنى معاقبة مَن استفاد من حقبة العولمة الأمريكية الممتدة من بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى الآن، واسترداد ما ربحوا أو جزء مما ربحوا مما يعتقد ترامب أنه كان خصمًا من الحقوق الأمريكية، أو ضحكًا على ذقون أمريكا، وتحايلًا عليها، واستغفالًا للديمقراطيين.

بعد ذلك، سيعيد ترامب وزن القوة الأمريكية، بعد هذه الغلة، ويتحرك أبعد في الواقعية فيما يتعلق بقياده العالم في الفترة المقبلة، وأرى أنه يقترب من أن يتبنى أن مَن يستحق أن يقود العالم هم أمريكا وروسيا والصين، مستخفًّا بشكل لا يمكن أن يخفى على أحد بمطبخ خفي كان مؤثرًا جدًّا في صياغة التوجهات الأمريكية هو المطبخ البريطاني، بل مستخفًّا أيضًا بدول مثل فرنسا وكندا، (وتخيل أنت نظرة مثل هذا الرجل لنا في المنطقة أو لغيرنا من دول العالم).

ترامب كما أراه يريد من خلال التلاعب بالجميع فرز واصطفاء بعض الدول لتلعب دور السنيدة الجدد (وليس الحلفاء) وربما يكون هناك تحول في اتجاه أن تلعب ألمانيا الدور الذي لعبته بريطانيا طوال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، خاصة وقد حقق فيها اليمين الشعبوي قفزة في الانتخابات الأخيرة، وقد يناظر المانيا، حليف/ سنيد مهم آخر هو الهند، وثالث هو ، وبعدها تركيا والسعودية، أما غير ذلك فمعظم الدول عنده مستباحة بحسب الظروف.

بعد هذا الاصطفاف، يطمح ترامب، عبر: «ميك أمريكا جريت أجين»، إلى أن تتفوق أمريكا بشكل تلقائى، داخل القيادة الثلاثية للعالم، المكونة من تحالف روسيا والصين وأمريكا، خاصة بما لديها من عناصر تفوق في مجال التكنولوجيا، ومَن معها من «الأصدقاء»، وبذلك يبزغ عصر جديد من الهيمنة الأمريكية المستقرة (برضا الحلفاء أو اعترافهم!).

ترامب كما أرى وكما يقول المحللون سيدمج بشكل كامل التجارة والاستثمار والحركة المالية بمنظوره الأمني للعالم أو بمنظومة القوة التي سيستخدمها والتي تجمع بين الخشن المستحدث (القتل بالتكنولوجيا الحديثة وواقعة البيجر في لبنان كاشفة)، وبين الناعم أي استخدام أسعار الفائدة والصرف والتكنولوجيا والعملات المشفرة، وقواعد البيانات عن كل صغيرة وكبيرة في العالم، والفضح والتشهير، في كسب أي تحدٍّ لصالحه.

في الشرق الأوسط أشتم أن ترامب على قدر من إدراك أن الدور الإسرائيلي في الدفاع عن إمدادات النفط وقطع الوصل بين الشرق والغرب العربيين لم يصبح مطلوبًا بالقدر الذي كان عليه منذ نشأة إسرائيل، خاصة مع التحولات في مجال وفي المجال الجيوسياسى العالمي والإقليمي (مفكر بريطانى قال مرة إن العصر الحجرى انقضى لا لأن الحجر نفد، ولكن لظهور البرونز.. نفس الشىء فعصر البترول يتراجع لا لأن النفط انتهى ولكن..)، ولذلك صرح ترامب بأن أمريكا ستشتري أرضًا في غزة، وقد تتواجد بقوات، وتلك كانت إشارة ذات دلالات على أنه لا حاجة للوكيل الإسرائيلي بالشكل القديم، حيث يمكن أن نتواجد ونلعب بأنفسنا، وإن كان قد غير نسبيًّا من تصريحاته لاحقًا، وقد يكون منطق ترامب هو: إذا كانت إسرائيل أوجدت لقطع اتصال الشرق بالغرب سابقًا، فإنه بتسليم إلى تحالف تركي إسرائيلي أمريكي، ومع فكرة تواجد أمريكا مباشرة على أرض فلسطين، فإن ما سيحدث هو أبعد بكثير من قطع الاتصال بين الشرق والغرب، إذ يسعى ترامب لقطع روابط المصير العربى كليًّا، وبما يتناسب مع تصوره لدور دول الإقليم في النظام الدولي الصاعد، ومن ثَمَّ فالدور الإسرائيلى القديم لم يعد هو الأصل. طبعًا وكما نقول: أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، فترامب ليس إلهًا، والدول والشعوب ليسوا ألعوبة في يده أو يد غيره، لكن تلك قصة أخرى غير التي أردت طرحها اليوم.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا