في لقاء جميل ضمن أحد برامج البودكاست، دار حديث لطيف مع ريادي ورجل أعمال سعودي نجح بامتياز في تأسيس علامة تجارية للمطاعم السريعة في المملكة منذ العام 1988م، بل وتوسعت العالمة في الحضور إقليميا وعربيا، ووصل بها هذا الرجل إلى مرحلة الـ «فرانشايز» عبر تمكين الغير من العمل في النشاط تحت هذه العلامة الناجحة، واستمر النجاح إلى درجة استحواذ شركة أمريكية عالمية وكيان استثماري خليجي على 60% من القيمة السوقية لهذه العلامة التجارية، وبثمن بلغ 700 مليون ريال.
وفي أحد مراحل اللقاء، سأله المحاور قائلا: لو عاد بك الزمن إلى الوراء، ما الذي كنت ستغيره في هذه العلامة التجارية؟ رد هذا الريادي المتميز مبتسما وقال: «لو عاد بي الزمن إلى الوراء، ما كنت لأبدأ أصلاً! ولا كنتم سترون هذه المطاعم الناجحة في كل مدينة سعودية!» وأوضح السبب قائلا: «مع مرور الوقت، وبما نكتسب من خبرات كبيرة، ومع ازدياد محاذيرنا، ونزعتنا الحالية للتخطيط المُفرط وحرصنا الشديد على حساب كل خطوة، فقدنا جرأتنا، كما فقدنا إيماننا بأفكارنا واستحواذها علينا لحين تحقيقها إلى واقع ملموس.»
ما قاله الريادي دار في رأسي طويلا، وأرى أنه أصاب كبد الحقيقة بكلامه هذا.
فالنجاح الكبير الذي تحقق له كان مردودا إلى طبيعة تفكيره الريادي وأمور لن نختلف عليها كثيرا، كالإصرار والتفاني والصبر والمثابرة. لكن هذا النجاح الرائع، دون أدنى شك، كان وليد حماسة الشباب، والإيمان النقي بالفكرة، دون الإغراق بالنظر في التفاصيل، والتخطيط المتأزم الذي يصل في أحيان كثيرة إلى استحداث العراقيل. هذه الظروف التي أحاطت بفكرته في البداية، كانت السبب الأهم لنجاحه المشهود والمتزايد منذ أكثر من 36 عاما.
الفكرة لاعب عظيم في قصص كثير من الناجحين، وقد دونت بعض هذه القصص الجميلة في كتاب اسمه «كنز الرحلة البيضاء»، لكن الأهم عندما تنطلق إلى مساحة التفكير في التطبيق هو أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالفكرة والمرتبطة بالصعيد الشخصي.
وإن كنت اليوم من أصحاب هذه الأفكار الريادية الجميلة، في أي نشاط كان، لا تنشغل كثيرا بما يقوله «الخبراء» الغارقين تحت ركام التجارب الطويلة، فهؤلاء أصحاب تجارب وخبرات تستحق التثمين، لكنهم ليسوا أنت.. ولن يفهموا علاقتك بفكرتك ورؤيتك الشفافة لمستقبلها.
@abdullahsayel