اقتصاد / ارقام

الاستعمار الكربوني .. كيف تُصدِّر الدول الغنية الكارثة إلى الفقراء؟

  • 1/2
  • 2/2

ليست أزمة المناخ مجرد أرقام عن الانبعاثات أو مؤتمرات دولية تتكرر بلا نتائج حاسمة، بل هي قصة عن قوةٍ تُمارَس، وموارد تُستنزف، وبشرٍ يدفعون الثمن في صمت.

 

من هذا المنطلق، يأتي كتاب "الاستعمار الكربوني: كيف تُصدّر الدول الغنية الانهيار المناخي؟" للكاتب والباحث لوري بارسونز، ليكشف بجرأة كيف أعادت العولمة إنتاج منطق الاستعمار، ولكن هذه المرة عبر الكربون، وسلاسل الإمداد، والقوانين البيئية غير العادلة.

 

في مراجعة نقدية معمقة، تضع الكاتبة سنيها بيسواس الكتاب في قلب الجدل العالمي حول العدالة المناخية، مسلطة الضوء على الفجوة الأخلاقية والسياسية بين الشمال والجنوب العالميين.

 

 

العبودية الاقتصادية

 

يستند بارسونز في أطروحته إلى فكرة محورية مفادها أن "الاستخراج والاستغلال كانا دائماً وجهين لعملة واحدة".

 

فكما بُني التاريخ الإمبريالي على استنزاف الموارد الطبيعية واستغلال الفئات الأضعف اقتصادياً، تستمر المنظومة الاقتصادية العالمية اليوم في العمل بالآليات ذاتها، وإنْ تغيّرت أشكالها.

 

صحيح أن العبودية أُلغيت رسمياً، لكن الاقتصاد العالمي ما زال يعتمد على تدفق المواد الخام من الدول الفقيرة إلى الغنية، وعلى عمالة رخيصة تعمل في ظروف قاسية، دون أن تحظى بنصيب عادل من الأرباح المتحققة.

 

يركّز الكتاب على التحولات العميقة التي شهدتها سلاسل الإمداد العالمية خلال العقود الأخيرة، حيث لم تعد عملية الإنتاج تتم في مكان واحد، بل تفتّتت بين دول متعددة، من استخراج المواد الأولية إلى التصنيع ثم الاستهلاك، وصولاً إلى التخلص من النفايات.

 

البصمة الكربونية

 

هذا التشظي سمح للدول الغنية بتقليص بصمتها الكربونية على الورق، عبر نقل المراحل الأكثر تلويثاً إلى دول الجنوب العالمي، بينما تستمر في جني فوائد الاستهلاك المرتفع.

 

ومن خلال خبرته الميدانية الطويلة في دراسة أفران الطوب ومصانع القطن في كمبوديا، يعرض بارسونز أمثلة حية على كيفية «تصدير الهشاشة المناخية» إلى الدول النامية.

 

تُنشئ الشركات متعددة الجنسيات مصانعها في بلدان منخفضة الدخل، لكنها تخضع في تنظيمها القانوني لقوانين دولها الأصلية، ما يضعها بعيداً عن المساءلة المباشرة بشأن عمالة الأطفال، والعمل القسري، وسوء ظروف السلامة.

 

ونتيجة لذلك، يبقى العمال في هذه الدول محاصرين بأجور متدنية، وساعات عمل طويلة، وبيئات عمل خطرة، دون أي صوت يُسمَع في النقاشات العالمية حول المناخ.

 

لا يقتصر تأثير هذا الظلم على الجانب الاقتصادي فقط، بل يتجلى بشكل أكثر حدة في الآثار المحلية لتغير المناخ. فالجفاف الذي يضرب المزارعين في الهند وكمبوديا، والأعاصير التي تواجهها بنغلاديش، والأضرار الصحية التي يتعرض لها عمال أفران الطوب، كلها أمثلة على كوارث تتفاقم بفعل هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية.

 

يوضح بارسونز أن الفقر، وسوء السكن، وضعف الرعاية الصحية، وعدم الاستقرار السياسي، تجعل فئات واسعة أكثر عرضة لتداعيات الاحتباس الحراري، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى نشوء موجات جديدة من "المهاجرين البيئيين".

 

 

"الغسل الأخضر"

 

أحد المفاهيم المحورية التي يناقشها الكتاب هو «الغسل الأخضر»، حيث تلجأ شركات كبرى إلى تسويق نفسها بوصفها صديقة للبيئة، عبر ادعاءات غير مدعومة بأدلة، أو من خلال إخفاء الأضرار الحقيقية لأنشطتها.

 

في هذا السياق، ينتقد بارسونز الرهان المفرط على تغيير سلوك المستهلك الفردي، مؤكداً أن شراء منتجات «خضراء» لا يشكل حلاً جذرياً، ما لم يترافق مع وعي نقدي وضغط جماعي لمحاسبة الشركات وكشف ممارساتها المضللة.

 

وعلى مستوى السياسة الدولية، يسلط الكتاب الضوء على اختلال موازين القوى في مؤتمرات المناخ العالمية.

 

بينما تمتلك الدول الغنية النفوذ الأكبر في صياغة الأجندات واتخاذ القرارات، تجد الدول النامية صعوبة في انتزاع التزامات واضحة بشأن التعويض عن "الخسائر والأضرار".

 

كوب 27

 

ويستشهد بارسونز بما جرى في مؤتمر "كوب 27"، حيث لم تُترجم مطالب الدول المتضررة إلى حلول عملية، في مشهد يتكرر منذ سنوات.

 

ويمتد النقد ليشمل المجال الأكاديمي ذاته، حيث يشير الكتاب إلى هيمنة النخب البيضاء والميسورة على إنتاج المعرفة البيئية.

 

في ، على سبيل المثال، لا تتجاوز نسبة الأكاديميين المنحدرين من خلفيات عمالية 15%، ما يطرح تساؤلات جدية حول «جغرافيا المعرفة» ومن يملك حق تعريف المشكلة واقتراح الحلول.

 

من هنا، يدعو بارسونز إلى إعادة النظر في مركزية الغرب في النقاشات البيئية العالمية.

 

في المقابل، يبرز الكتاب قيمة الرؤى الثقافية التقليدية في العديد من مجتمعات الجنوب العالمي، التي تنظر إلى الطبيعة باعتبارها كياناً ذا قيمة روحية وثقافية، لا مجرد مورد اقتصادي.

 

هذه الفلسفات، التي حافظت على الغابات والأنظمة البيئية لقرون، تقدم – بحسب بارسونز – دروساً مهمة للدول المتقدمة، التي اعتادت اختزال الطبيعة في معادلات والخسارة.

 

"الرأسمالية الكربونية"

 

ويُعرّف بارسونز "الرأسمالية الكربونية" بأنها عملية "تعهيد الانبعاثات من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة".

 

ومن هذا المنطلق، ينتقد آليات المحاسبة الحالية للانبعاثات، التي تعتمد على الإنتاج لا الاستهلاك. فالدول المتقدمة هي المستهلك الأكبر، بينما تُسجَّل الانبعاثات على الدول التي تستضيف المصانع.

 

ويقترح الكتاب توسيع نطاق المحاسبة الكربونية ليعكس هذه الحقيقة، إلى جانب إصلاح القوانين البيئية والتجارية بما يحقق قدراً أكبر من العدالة.

 

من ثم، يؤكد «الاستعمار الكربوني» أن أزمة المناخ ليست مجرد خلل بيئي، بل هي نتاج مباشر لبنية اقتصادية وسياسية غير عادلة.

 

ويرى بارسونز أن الحل لا يكمن في المبادرات الفردية، بل في الاعتراف بجذور المشكلة، وتفعيل العمل الجماعي، وإعادة صياغة الإطار القانوني العالمي للمناخ.

 

وبينما تتصاعد احتجاجات الشباب حول العالم، يقدّم الكتاب دعوة صريحة إلى تحول جذري في التفكير والعمل، يربط حماية الكوكب بتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف بين الشعوب.

 

المصدر: موقع "إل إس إي"

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا