تمثل مونودراما «ودارت الأيام» التي عرضت الجمعة ضمن مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، رحلة داخل ذاكرة امرأة، تجسدها ببراعة الفنانة وفاء الحكيم.
العمل يروي مأساة امرأة في العقد السادس، تصدم بخبر وفاة زوجها، لتكتشف أنه كان متزوجاً من أخرى طوال سنوات دون علمها. لحظة الحقيقة تلك تفتح أبواب الذاكرة المثقلة بالخذلان، لتبدأ البطلة في سرد محطات مؤلمة من حياتها، استُنزفت خلالها بين الإهمال والقهر والمعاملة السيئة.
تتساءل في لحظة مراجعة وجودية: هل كنت أنا المخطئة؟ ويستمر الصراع الداخلي في مشاهد تتقاطع فيها الأسئلة مع الأحلام الضائعة.
ومنذ اللحظة الأولى للعرض، وباستهلال مع غناء أم كلثوم «كنت أخلص لك بحبي من كل قلبي»، ينكشف المشهد الداخلي للعمل دون مواربة. هذه الجملة الغنائية الأولى، تُكثّف المعنى وتكشف بجلاء مركز الثقل العاطفي للعرض بأكمله: امرأة وهبت الحب ولم تجد بالمقابل إلا الخداع.
النص، الذي كتبته أمل فوزي منذ 13 عاماً، يحمل في طياته دلالات اجتماعية ونفسية تتجاوز حدود الشخصية الفردية، لتغوص في قضايا المرأة العربية، وتحديداً التي ضحّت بكل شيء من أجل «استقرار» أسري هش، لتكتشف في النهاية أن صوتها لم يُسمع، وأحلامها لم تُحترم.
العرض يطرح تساؤلات عميقة حول مفاهيم مثل التضحية، والغفران، والهوية، في مجتمع لا يمنح المرأة فرصة التعبير عن ذاتها، ولا يعترف بكيانها خارج حدود الزواج والواجبات التقليدية. ومع ذلك، فإن اختزال تعقيد التجربة الإنسانية في مثالية مطلقة لشخصية البطلة أضعف أحياناً من واقعية الطرح؛ إذ بدت البطلة في لحظات تميل إلى التقديس، حتى حين ألمحت إلى مشاعر غير مفهومة تجاه شخص آخر خارج إطار الزواج.
وفاء الحكيم، خريجة الفلسفة، والمسرح لاحقاً، أثبتت في هذا العرض أن دراسة الفكر تعمّق فهم النفس. أداؤها كان مقنعاً في الانتقال الزمني بين مراحل العلاقة، مستخدمة أدواتها الصوتية ببراعة، مع إحساس داخلي عالٍ. كل مشهد كان يصل إلى ذروته بقطعة غنائية جديدة من تراث أم كلثوم، ما منح العرض بُعداً شعرياً وجدانياً، يربط بين الحكاية الفردية والتراث العاطفي الجمعي.
الاعتماد على الميكروفون في العرض خلق حاجزاً صوتياً عزَلَ الإحساس أحياناً، وجعل التفاعل بين المؤدية والجمهور مشوشاً أو ناقصاً. كما أن محاولة تطعيم المونودراما بصوت مساعد (حل إخراجي يُقحم صوتاً رجالياً دون حضور جسدي)، سحب العرض قليلاً من روح المونودراما التي تعتمد على حضور واحد، قوي وكافٍ بذاته.
فادي فوكيه، صاحب التجربة المسرحية الطويلة، قدم رؤية إخراجية طوّع فيها فضاء العرض بشكل شاعري، متكئاً على نص داخلي يميل إلى التأمل. لكنه لم يمنح العرض «بُعداً رابعاً» سينوغرافياً كافياً؛ فالحركة ظلت في أدنى مستوياتها الواقعية، دون استخدام ذكي للصورة أو الخلفية.
ومع ذلك، نجح فوكيه في الحفاظ على التوازن بين السكون والحركة، والنثر والغناء، دون أن يفقد المتفرج خيط التماهي مع البطلة.
ورغم كل الحزن، ينتهي العرض على قرار ينبض بالأمل: أن ترى البطلة في أحفادها امتداداً لأحلامها، وأن تزرع فيهم ما حُرِمَت منه، لتُكمل رحلتها معهم، وإن بشكل غير مباشر.
أغاني أم كلثوم التي تتخلل العرض ليست مجرد خلفية صوتية، بل تعبير حيّ عن المشاعر الدفينة، وكل ما لم يُقل صراحة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.