اقتصاد / صحيفة الخليج

دور الحِمائية في السباق الاقتصادي

جوستين هاوغ *

لطالما تدخلت الدول بطريقة أو بأخرى في أسواقها بهدف تطوير صناعات محددة ودفع الابتكار. ولكن منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بتنا نشهد تطورات مذهلة في شكل التدخل وحجمه، خاصة في ما يتصل بالسياسات الصناعية والتجارية.
وهناك كثير من الأسباب والعوامل الرئيسية وراء ذلك، من بينها تداعيات الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008، والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، والجهود الرامية إلى تعزيز التصنيع المحلي في أعقاب اضطرابات سلسلة التوريد. وإلى جانب استمرار التدخلات الحكومية، يُقحم الخبراء أنفسهم في تحديد الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه استراتيجيات النمو التي تقودها هذه الدول، وعلى رأس هذه الاستراتيجيات «تحفيز الصادرات والابتعاد عن الحمائية».
صحيح أن الحكومات محقة في التركيز على الصادرات، ولكن القصة حول الحمائية أكثر تعقيداً. فالواقع يقول، إن الدفع نحو الصادرات كان في أغلب حالات السياسة الصناعية والتجارية الناجحة مقترناً بعناصر من الحمائية.
وفي هذا الصدد، تبرز كوريا الجنوبية وتايوان كمثالين جيدين. فقد نجحا في تحويل اقتصاديهما من بلدان منخفضة الدخل إلى مرتفعة بسرعة هائلة وفي غضون ثلاثين عاماً فقط، من 1960 إلى 1990 تقريباً.
وقد حقق البلدان هذا الإنجاز من خلال سياسات مصممة بعناية، أبرزها التوجه نحو التصدير. ففي خطاب ألقاه في عام 1965، وصف الرئيس الكوري الجنوبي آنذاك بارك تشونغ هي، الصادرات بأنها «شريان الحياة الاقتصادي للبلاد». هذا صحيح، ولكن الحمائية كانت على القدر نفسه من الأهمية.
وكانت التعريفات الجمركية الطارئة تُفرض في كثير من الأحيان على السلع التي تشهد نمواً مفرطاً في الواردات. وإضافة إلى هذا الإجراء «المرئي»، استُخدِمت مجموعة من التدابير الحمائية وقوانين الاستيراد المخفاة، مثل إلزامية الحصول على إذن من هيئة حكومية، وفرض ضرائب على سلع مستوردة غير أساسية مثل مضارب الغولف وبعض المشروبات. وكانت هذه الضرائب تُصنف في كثير من الأحيان على أنها ضريبة تعليمية، أو ببساطة ضريبة خاصة.
ومن خلال استخدام التدابير الحمائية لتجنب النمو المفرط للواردات وحماية الشركات المحلية من المنافسة، لم تكن كوريا الجنوبية وتايوان تفعلان شيئاً جديداً. لأن الولايات المتحدة، الدولة الأكثر حمائية على مر التاريخ، كان لديها أعلى معدلات تعرفة جمركية في العالم على السلع المصنعة المستوردة طوال القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت تحول البلاد إلى قوة اقتصادية عالمية.
وبالنسبة للصين، ففي تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الجديد، شكلت مثالاً رئيسياً آخر، لكنه مختلف بعض الشيء، على دمج الحمائية في تصميم السياسة الصناعية والتجارية.
فالصين، اعتمدت بشكل كبير على جذب الاستثمار الأجنبي إلى التصنيع، وهو ما تم بشكل استراتيجي من خلال دفع الشركات متعددة الجنسيات إلى تشكيل مشاريع مشتركة مع تلك المملوكة للحكومة. وقد أدى هذا إلى زيادة احتمال نقل التكنولوجيا، ومع مرور الوقت، استبدال المنتجات المستوردة بتلك المنتجة محلياً. وبشكل عام، كانت استراتيجية التصنيع التي تقودها ناجحة للغاية. كيف لا، وهيمنتها واضحة على كثير من الصناعات العالمية، وباستطاعتها اليوم تتبع جميع منتجاتها المصنعة وربطها من خلال عمليات الإنتاج المحلية.
وبينما أثبتت الحمائية أنها ضرورية نسبياً للتنمية الاقتصادية الناجحة، إلا أن بعض القضايا لا تزال بحاجة إلى معالجة. أولاً، لا توجد ضمانات لنجاح التدابير الحمائية مثل التعريفات الجمركية. ومثال ذلك، في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، عملت حكومات إفريقيا وأمريكا اللاتينية على حماية شركاتها من المنافسة الخارجية، والهدف هو تطوير قاعدة صناعية محلية، لكن الشركات فشلت إلى حد كبير في سباق المنافسة العالمي، لأن إعانات التصدير والتدخل الحكومي واسع النطاق لم يضمنا نجاحها.
وثانياً، هل يمكن لجميع البلدان أن تكون حمائية في الوقت نفسه؟ ربما لا، وهذا هو السبب وراء قلق الناس بشأن الحروب التجارية. والواقع أننا نشهد هذا الأمر يتكشف في الوقت الحالي بين الصين والولايات المتحدة.
لطالما ظلت المنافسة الاقتصادية بين الشركات والدول القومية تشكل جزءاً أساسياً من كيفية تنظيم الاقتصاد العالمي. وفي عالم حيث تستطيع الدول القومية أن تنتقم من بعضها بعضاً بأشياء مثل التعريفات الجمركية، فإن مجال المنافسة الاقتصادية لا بد أن يصبح متساوياً. لكن المجال ليس متساوياً الآن، وهذا النهج يصب في مصلحة الدول الأكثر ثراءً وقوة، ومصلحة الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من هذه الدول مقراً لها.
ولهذا السبب، ينبغي السماح للدول ذات الدخل المنخفض في اتفاقيات التجارة الدولية بمساحة أكبر في تصميم سياسات التنمية الاقتصادية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، السياسات الحمائية.
بعبارة بسيطة، ينبغي منح الحكومات التي تتخلف عن الركب التكنولوجي مجموعة أدوات سياسية أكبر. وهذا من شأنه أن يعطي الدول ذات الدخل المنخفض فرصة أفضل للحاق بنظيراتها من ذوات الدخل المرتفع. وإذا كان لنا أن نتعلم درساً واحداً من التاريخ الاقتصادي ذي الصلة، فهو أن السياسات الحمائية ضرورية في السباق الاقتصادي العالمي.
* أستاذ مساعد في دراسات التنمية في جامعة كامبريدج «آسيا تايمز»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا