عقارات / متر مربع

عبد الفتاح الجبالي : الديــون العالميـة والواقـع الجـديـد

الديــون العالميـة والواقـع الجـديـد
عبدالفتـــــــــاح الجبــــــالـى

 

على الرغم من الأزمات العديدة التى تضرب جنبات الإقتصاد العالمى ككل، إلا أن قضية «المديونية» تظل هى الأهم والأخطر، إذ تمثل مشكلة حقيقية للعديد من الأقطار المتقدمة والنامية على حد السواء.

 

وتزداد خطورة هذه المشكلة إذا ما أخذنا بالحسبان حجم التحديات المالية التى تواجهها هذه الأقطار حيث يتأرجح استقرارها الإقتصادى، بينما تعانى أزمة ديون محتملة وتداعياتها الأوسع نطاقا. وذلك بعد أن وصل حجم الدين العالمى إلى مستويات قياسية ومرتفعة للغاية، إذ وصل إلى 315 تريليون دولار نهاية عام ليشكل نحو 333% من الناتج العالمى ومن ثم ازدياد المخاطر المالية،

خاصة فيما يتعلق بآليات عمل النظام الإقتصادى العالمى الراهن، والآثار المحتملة على النظام المالى العالمى ككل، وكذلك على النمو الإقتصادى ومستقبله.

 

من هنا بدأت جميع البلدان فى الإلتفات نحو هذه المشكلة، وبدأ الخبراء فى دراسة العوامل الكامنة وراء إرتفاع مستويات الدين، بما فى ذلك العوامل المتعلقة بدولة الرفاه الحديثة. خاصة أن هذه البلدان ظلت على مدار عقود طويلة لا تعانى من عجوزات كبيرة أو خطيرة فى ميزانياتها باستثناء فترة الحربين العالميتين أو الكساد العظيم فى الثلاثينيات والحرب الأهلية الأمريكية وتوحيد ألمانيا.

 

ولكن مع زيادة النفقات العامة بصورة كبيرة بدأت تظهر العجوزات فى الموازنات العامة لهذه الدول، وازدادت الإختلالات المالية بها. وازداد الدين بشكل حاد كنسبة من إجمالى الناتج المحلى فى جميع البلدان تقريبا،

بل ويحتمل أن يزداد سوءا إذا ما أضيفت إليه الإلتزامات غير الممولة التى سيتطلبها نظام المعاشات العامة وغيرها من الإنفاق الإجتماعى.

 

وتزداد خطورة المشكلة مع تراكم الفوائد وأعبائها المتزايدة، ولاسيما فى الأسواق الناشئة التى تستحوذ على 33.3% من الدين العالمى، وتزيد ضمنها نسبة الدول غير القادرة على دفع ديونها.

 

ويشير تقرير الأونكتاد إلى ارتفاع عدد البلدان التى يشكل فيها الإنفاق على الفوائد أكثر من 10% من الإيرادات العامة من 29 دولة عام 2010 إلى 50 دولة عام 2022، ونتيجة لذلك تجاوزت مدفوعات الفائدة فى العديد من البلدان النامية الإنفاق على القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة حيث يعيش ما لايقل عن 3.3 مليار نسمة فى بلدان تنفق على الفائدة أكثر مما تنفقه على التعليم والصحة.

 

وأشار البنك الدولى فى «تقرير الديون الدولى» إلى أن البلدان النامية أنفقت مستوى قياسيًا بلغ 443.5 مليار دولار لخدمة ديونها العامة الخارجية والمضمونة من الحكومة فى عام 2022، وذلك فى خضم أكبر قفزة تشهدها أسعار الفائدة العالمية على مدى أربعة عقود.

 

وأضاف أن ارتفاع تكاليف هذه الديون أدى إلى تحويل الموارد الشحيحة بعيدًا عن الإحتياجات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبيئة.

 

وأوضح التقرير أن مدفوعات خدمة الدين زادت بنسبة 5% على العام الماضى بالنسبة لجميع البلدان النامية، وأن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة المالية الدولية التابعة للبنك الدولى – التى تساند أشد البلدان فقرا – وعددها 75 بلدًا دفعت مستوى قياسيًا بلغ 88.9 مليار دولار من تكاليف خدمة الدين فى عام 2022.

 

وعلى مدى العقد الماضى، تضاعفت مدفوعات الفائدة فقط التى تسددها هذه البلدان أربع مرات، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 23.6 مليار دولار فى عام 2022.

 

وخَلُص التقريرُ إلى أنه من المتوقع أن تتضخم التكاليف الإجمالية لخدمة الدين فى أفقر 24 بلدًا فى عامى 2023 و2024 بنسبة تصل إلى 39%.وسوف تتزايد صعوبة التعامل مع مستويات الدين المرتفعة إذا استمر تدهور آفاق الإقتصاد وزاد إرتفاع تكاليف الإقتراض.

 

وإذا ظل التضخم متشبثا بالإرتفاع، فسوف يزداد الإنفاق العام. إذ انه مع ارتفاع التضخم وقيام البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة فإن ذلك أدى إلى ارتفاع تكلفة الإقتراض وصعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية مع تضاعف حاجة البلدان النامية إلى التمويل، خاصة مع انسحاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 

وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات كبيرة فى هيكل الديون العالمى، وأبرزها ازدياد الديون الخاصة مقارنة بالدين الحكومى حيث وصلت الأولى إلى نحو 146% من الناتج العالمى مقارنة بنحو 92% للثانية وكذلك صعود ودائنين آخرين من غير أعضاء نادى باريس،

 

يعنى أن قاعدة الدائنين الرسميين باتت أكثر تشتتا. إذ ان ظهور الصين كدائن عالمى جعل عملية إعادة الهيكلة تتسم بطابع سياسى أكبر، ووتيرة أبطأ، وتحديات أكبر. كما أبدى الدائنون من القطاع الخاص إحجاما وبطئا فى تخفيف الديون.

 

كما أن معظم الديون المحلية مملوكة لبنوك وصناديق معاشات محلية، مما يجعل إدراجها فى عملية إعادة الهيكلة يمثل إشكالية كبيرة. ويرجع السبب فى تفاقم الأزمة إلى الإرتفاع الحاد فى التضخم والركود الإقتصادى الذى شهدته بداية من جائحة مما انعكس فى الإرتفاع الحاد الذى سجلته نسب الدين إلى إجمالى الناتج المحلى فى عام 2020.

 

ومع تجاوز الإقتصادات لأسوأ مراحل الجائحة، ساعد الإنتعاش القوى فى إجمالى الناتج المحلى على هبوط نسب الدين فى عام 2022 وارتفاع التضخم وزيادة تقلبه. وكانت هذه العوامل هى الدافع وراء حدوث تقلبات كبيرة فى إجمالى الناتج المحلى الاسمى،

 

وساهمت هذه التقلبات بدورها فى حدوث تغيرات فى نسب الدين. كما كان للأوضاع الإقتصادية المتقلبة أثر ملموس أيضا على ديناميكية الدين من خلال الموازنات العامة حيث، شهد عام 2020 ارتفاعا كبيرا فى الدعم الذى قُدِّم للأفراد ومؤسسات الأعمال. مما أدى إلى ارتفاع الدين العام وتجاوز العجز فى الموازنات الارتفاع فى إجمالى الناتج المحلى الاسمي.

 

 

وتؤدى الأوضاع الإجتماعية الصعبة التى تواجهها هذه البلدان إلى تفاقم هذه المعادلة المعقدة، مما لا يترك مجالا كافيا لعمليات ضبط مالى كبيرة. وبالتالى، فإن الحفاظ على استدامة القدرة على تحمل الدين يمثل تحديا هائلا لهذه البلدان، وتزداد صعوبته أكثر من أى وقت مضى. خاصة فى ظل آفاق الاقتصاد العالمى الصعبة، وبالتالى ينبغى للحكومات أن تعتمد استراتيجيات مالية تساعد على الحد من مواطن الضعف المتعلقة بالديون على المدى المتوسط.

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا