منوعات / صحيفة الخليج

البحر.. حكاية الغواص الإماراتي بين الأمواج واللؤلؤ

مريم سلطان المزروعي:

ارتبط أبناء بالبحر ارتباطاً لم يعرف الانفصال، فهو الحياة والرزق والمغامرة والأمل.

كان البحر لهم مدرسة الرجولة ومرآة الصبر وميدان الشجاعة وكل موجة فيه تحمل خبراً، وكل نسيم فيه يحمل عطراً من رزقهم وكرامتهم. الحياة لم تكن ممكنة بلا ماء البحر ولا عمق أمواجه، فالغواص والصياد يمضيان في طريق محفوف بالمخاطر، لكنه درب مشحون بالإرادة والعزيمة والإيمان.

كان الغوص على اللؤلؤ من أصعب المهن وأكثرها مخاطرة، فالغواص يحبس أنفاسه دقائق متواصلة تحت الماء في أعماق تصل إلى عشرين متراً وسط مياه قارسة البرودة، حاملاً أدواته البسيطة المكونة من «الديين» الذي يشبه السلة لتعليق المحار، و«الفطام» على أنفه ليمنع تسرب الماء، و«الزُّبين»، أي الحبل الذي يسهل النزول إلى القاع، و«الخبط» لحماية الأصابع من الصخور والأشواك، وحبل النجاة «اليدا» الذي يبلغ طوله سبعين متراً لربط «الديين» ويمسك أحد طرفيه الغواص والطرف الآخر عند «السيب» على ظهر السفينة لرفعه بعد انتهاء مهمته.
وقد عاش الغواص منذ نعومة أظفاره في معاناة مستمرة، وكان يستمر في هذه المهنة طوال حياته إما حتى الموت بين أمواج البحار أو حتى الشيخوخة لكنه في ينال رزقه بعد عناء طويل كما يقول الأعشى: 
قدْ رامها حججاً، مذْ طرّ شاربهُ
حتى تسعسعَ يرجوها وقد خفقا
وكان الغوص همّاً وحزناً، حتى لو كان مصدر رزق وفيرٍ، فكانوا يقولون: «الغوص قطعة من جهنم، غص بريجه لو فيه روبيات». وذكرت أم راشد المزروعي أن أسرتها كانت على علاقة وطيدة بالبحر منذ مئات السنين، فقد ورث والدها مهنة الغوص عن والده وكانت المهنة متوارثة عبر الأجيال قبل أن يظهر اللؤلؤ الصناعي الذي قضى على هذا الإرث وأجبر والدها على البحث عن عمل في مع أصدقائه مثل النوخذة سعيد بن شرهان والمرحوم سيف بن سباع وسالم بن سباع. وكانت منطقة خور المزاحمي في رأس الخيمة من أشهر مناطق الصيد، لما تحويه من وفرة الأسماك ووفرة الرزق.
ويصف الشاعر صعوبة الغوص قائلاً: 
دشيت الغوص شدة وعذاب
عن صافي الأخدود حيّر
علي أما الحداق أو الصيد بالميدار فقد وصفه الشاعر حميد بن ذيبان قائلاً: منهم حداديج يبرز خيطه وْيطْوي ونْ كان ضغّاي يضحي يْعابل رْوابه، وكان محمد بن علي يؤكد أن البحر كان مصدر الخير والرزق وأنهم قبل الرحلة يستلفون من النواخذه لتأمين احتياجات أسرهم وكانت الحياة البحرية قاسية والمخاطر جسيمة، إذ فقد بعض الغواصين حياتهم في عرض البحر وأحياناً تُرمى جثثهم بدل الدفن اللائق، وكانت العواصف والأمواج ترفع السفن وتهزها ويظل الغواص في صراع دائم مع قوة الطبيعة ومخاطر الأعماق. وكان الصيادون يجوبون المراكب بين المواطن الغنية بالأسماك ليلاً ونهاراً مستفيدين من حرارة الشمس لتجفيف الأسماك مثل العومة أي السردين قبل تخزينها وشحنها للتصدير واستخدموا القراقير المصنوعة من عذوق النخيل أو شبك الحديد بأحجام مختلفة، دوباية للكبيرة وفردي للوسط وقرقور للصغيرة كما يقول الشاعر:
سوّ لي قرقور نشّالي 
من حديد وْعسق باباته
لقد رسمت هذه المهنة حياة الإنسان الإماراتي بمعاناته وتضحياته وصموده، فالبحر مدرسة للحياة وملتقى للأجيال وميدان للتحدي ومصدر للرزق ومغناطيس للذكريات. وكان الإرث البحري شاهداً على شجاعة الإنسان ووفائه ومسؤوليته، وكان البحر معلم الهوية وموطن الذاكرة ومصدر الإبداع والتاريخ فقد عبر عنه الشعراء ورواة القصص ومجسّدو الإرث الشعبي، ومن خلاله تعلم الإنسان الصبر والمثابرة وبنى طريق المستقبل وحافظ على إرثه الثقافي العميق وخلّد في ذاكرته حكايات وملاحم لا تنتهي، وكل موجة فيه تروي قصة صمود وكل صدفة تحكي شجاعة وكل رحلة تنسج تاريخاً عميقاً يظل خالداً في الذاكرة الإماراتية.

مريم سلطان المزروعي باحثة في التراث

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا