عقارات / متر مربع

المفكر صلاح سالم يحذر من التلاعب بمقررات الدراسات الإنسانية في .

المفكر صلاح سالم يحذر من التلاعب بمقررات الدراسات الإنسانية في .
في مفارقة الإنسانيات والطبيعيات

 

تطمح العلوم الطبيعية إلى فهم الطبيعة وقوانينها في الحد الأدنى، وإلى السيطرة عليها وتوظيفها في الحد الأقصى. وفي الحالين فإن الإنسان هو الفاعل، فهو القائم بفعل المعرفة، وفعل السيطرة معا، طلبا للقوة أو الثراء، وتلك أهداف مشروعة، يفضي تحقيقها إلى التقدم .

ولكنها تظل مطلوبة في حدود، إذا ما تجاوزتها أفضت إلى نوع من الغطرسة، وأنا ممن يظنون أن الإنسان قد تجاوز سقوف التعاطي الخلاق مع الطبيعة في لحظة ما من القرن العشرين، حتى أنها بدأت في الانتقام منه بكل ما تملكه من قدرات كامنة ووسائل خفية، ضمنها الكوارث والأوبئة التي صارت متوالية.

في المقابل، تهدف الدراسات الإنسانية إلى فهم الإنسان نفسه، والمجتمع الذي يعيش فيه ويتواصل معه، كما تطمح إلى تحقيق توافق بينهما، يضمن العيش الأمن في ظل سلم أهلي وسلام عالمي بين المجتمعات المختلفة، وهو ما يتحقق فقط عبر الأفكار التي تكرس للتعايش الإنساني، والقيم الأخلاقية التي تحض الفرد على الفضيلة، وتدفعه إلى التخلي عن غرائزه الأنانية وطموحاته الآثمة والالتزام بالحد الأدنى من الواجب الأخلاقي تجاه المجتمع والإنسانية.

يظن البعض أن دراسة الطبيعيات وحدها هي التي تستحق وصف العلم، فيما تتوقف الإنسانيات عند حدود المعارف العامة التي لا ترقى إلى اسم “العلم” بالمعنى الدقيق.

وربما يكون هناك فارق بالفعل على مستوى المنهج ومدى دقته بين العلوم الطبيعية، حيث الطبيعة موضوعها الأساسي محكومة بقوانين حتمية وضرورية أكثر وضوحا واتساقا، وأقل تركيبا وتعقيدا، بالقياس الدراسات الإنسانية، التي تفتقر إلى المنهجية الصارمة، أو إلى الدقة المطلقة، لأن الإنسان، موضوعها الأساسي، كائن مركب، ثري الأبعاد، مليء بالتناقضات، مهما كشفت عن بعض جوانبه لن تلج قط إلى كنهه، ولا تستطيع وضع قانون موحد يحكم حركته أو يتنبأ بسلوكه،

ومن ثم فإن الفارق بين الطبيعيات والإنسانيات لا ينبع من تخلف المعرفة الإنسانية بل من تعقيد وثراء مفهوم الإنسان نفسه، الذي وصفه المفكر الفلورنسي ﭽـيوﭬـاني پـيكوديللا ميراندولا (1463-1494)، مؤلف الخطاب الرسمي “عن كرامة الإنسان” 1486م، بأنّه المُعجزة العظيمة والكائن الحي الذي يستحق الدهشة والإعجاب، الذي لا يتقيد، كالكائنات الأخرى، بالقوانين التي وُضعت من قبل الله، بل يضع قوانينه بنفسه وفقا لإرادته.

يفضي التركيز على العلوم الطبيعية وإهمال الدراسات الإنسانية، إلى إذكاء العقل الآداتي الذي يحبس العقلانية في نفق الوضعية، ويركز فقط على البعد التقني لها، كالإجراءات المنهجية والجوانب الكمية، ومن ثم يجيب على سؤال كيف تُصنع الأشياء وليس على ما يجب صنعه، ولا الهدف من صنعه، ولا في طرائق استخدامه، ولا في تأثيره على مستخدميه.

أي أنه يطرح السؤال الوظيفي ويصمت عن سؤال المعنى، يفصل الواقع عن القيمة، لينمو جسد العالم وتقل حكمته، يتعملق السلاح ويخبو الضمير، تزداد قدرة الإنسان على الفتك وتضمر لديه كوابح العدوانية، تزداد قدرة الدول والمجتمعات على مراكمة الثروة، وكذلك قدرتها على إهدارها بمعدل أسرع.

إنه العقل الذي كان جورج لوكاتش قد أسماه بـ “القفص الحديدي” إذ يؤسس لعلاقة ميكانيكية بين الإنسان والطبيعة، تفضي إلى أنواع مختلفة من الألم تنتج عن التشيؤ والاغتراب الناجم عن تحجيم الجوانب النقدية للعقل.

إنه القفص الذي حاولت مدرسة فرانكفورت الخروج منه باستنهاض تلك الجوانب النقدية كالخيال والحدس والذوق، كي لا تبقي العقلانية هدفا لذاتها بل تصبح طريقا للخلاص البشري.

إنه العقل الذي تشارك هوركهايمر وتيودور أدورنو في مواجهته بتأليف كتابهما الأثير “جدل التنوير” (١٩47) فيما كتب هوركهايمر منفردا “أُفول العقل” في نفس العام، وكتب أدورنو كتابه الآخر الهام “الجدل السلبي” عام 1966م. عاب الرجلان الكبيران في المؤلفات الثلاث على العقل الأداتي أمرين أساسيين: أولهما أنه عقل لا يكترث بالنتائج الأخلاقية والجمالية والنفسية لممارساته، طالما كانت النتائج العملية مفيدة، ومحققة لمصلحة الفاعل.

فمثلا، لا يجري تقييم الشجرة الخضراء بشكلها المتناسق وظلالها الوارفة وما تجلبه للإنسان في محيطها من شعور بالجمال والانسجام والرضي، بل بما يمكن أن ينتج عن قطعها من مواد خام نافعة سواء في صناعة الورق وتغذية مجال الطباعة، أو في توليد عبر تغذية المدفأة.

وثانيهما أنه عقل يفكر في الواقع والأشياء دون أن يفكر في نفسه، فلا يلاحظ طريقة عمله، لا يخضعها للنقد، ولذا فإنه لا يستطيع تصويب مسيرته الذاتية إذا انحرفت عن الغايات المرجوة.

بدأ تداول مصطلح الدراسات الإنسانية في بداية القرن السادس عشر، وصفا لطالب أو أستاذ الإنسانيات، حيث تجري دراسات النحو والبلاغة والشعر والتاريخ والفلسفة الخلقية، كمقابل للدراسات اللاهوتية، أي دراسة الألوهية، والفلسفة الطبيعية. ولذا ارتبطت الدراسات الإنسانية بالنزعة الإنسانية والتي تعني أن الإنسان هو مصدر المعرفة، وأن خلاصه يكون بالقوى البشرية وحدها، ومن ثم ترفض تبنِّى كل أشكال الاغتراب والاضطهاد التي تنال منه وتطالب باحترام كرامة جميع البشر وحقهم في أن يُعاملوا بوصفهم غايات في ذاتها.

ولا تزال الدراسات الإنسانية، خصوصا الفلسفة، وبالأخص الميتافيزيقا، تبحث في سؤال المعني، الذي تبرر إجابته لماذا يعيش الإنسان؟ وكيف يعيش؟ أي الطرق أنجع في التكيف مع شرط وجوده التاريخي؟، وغيرها من الأسئلة التي استمرت معنا طيلة التاريخ البشري، واستمر البشر يتأملونها من داخل ثقافاتهم وحضاراتهم وأديانهم دونما إجابة حاسمة ونهائية، كونها أسئلة وجودية عن الحياة والموت، الوجود والعدم، الخير والشر، الفضيلة والرزيلة، الجمال والقبح، وغيرها من قضايا جوهرية، لا نزال نحتاج إلى إجابات متجددة عنها، رغم استحالة الإمساك بموضوعاتها كجزء من واقع ملموس. للحديث بقية عن الحالة المصرية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا